وائل الشهاوى يكتب … استقيموا
- مقالات
- 13 فبراير 2019
- d M Y
- 25204 مشاهدة
التعصب ظاهرة عرفت منذ اشتهرت كرة القدم وعادة ما يكون ذلك مصحوبًا بالإساءة والاستهزاء والسخرية والاتهامات والتجريح غير المبـرر. وبشكل يقضى على جمالية اللعبة الرياضية والتنافس الشريف. وللتعصب الرياضى أسباب تذكى هذا الصراع الدائر بين المشجعين.
فلقد تحولت وسائل الإعلام لمحرك أساسى للمشاعر وموجه رئيسى لتوجهات المجتمع بما يبثه من مواد إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعى ومنصات الإعلام الجديد اقترب العالم أكثر من حياة الناس وتحول من وسيلة مساعدة لوسيلة أساسية فى خلق مواقف المجتمع وتوجيه أفكارهم وانفعالاتهم وتحول الجمهور لشريك حقيقى فى صناعة الخطاب العالمى بكل فئاته المثقفة وغير المثقفة وصاحبة التعليم الرفيع وما دون ذلك فاختلط الحابل بالنابل وتولد لدينا خطاب مشوه يحمل فى طياته بذرات التعصب والتطرف والإقصاء للآخر ساعده فى ذلك بيئة تحتضن مثل هذه التوجهات وقدوات إعلامية غير مؤهلة.
ولأن الرياضة تشكل أحد أهم اهتمامات المجتمع كان الإعلام بكل وسائله التقليدية والجديدة قائدا لتوجهات المجتمع وصانعا للرأى العام واتخذ منهج إعلام الأندية، فكل مشجع يتبع إعلام ناديه ويصدقه بكل ما يقول سواء أكان صادقا أو مزيفا دون التحرى أو البحث عن الحقيقية، فأضحى الوسط الرياضى محتقنا وتفشى التعصب الذى خرج من صفحات الملاحق الرياضية وبرامج التوك شو الرياضية مع انتشار الفضائيات ضيقة الرقابة إلى أفق أوسع عبر وسائل الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعى التى تفتقد الرقابة الرسمية ويغيب عنها الحس الرقابى الذاتى للإعلامى والمشجع وانتقلت جماهير الأندية لممارسة تعصبها الرياضى من منتديات الأندية الإلكترونية المغلقة إلى فضاءات وسائل التواصل الاجتماعى المفتوحة على الجميع يغذيها خطاب إعلامى متطرف ساهم فى تأجيج الوسط الرياضى مع انحدار كبير فى مستوى رياضتنا المحلية على كل الأصعدة لينتقل التنافس الشريف من داخل الملعب إلى خارجه دون حسيب أو رقيب مما يعزز فى المجتمع التطرف والتعصب الرياضى المفضى للتعصب والتطرف العام الذى يتحول لسلوك حياتى يشكل خطرا على وحدة المجتمع
بالفعل لقد تطور الأمر فأصبح مرضا وصل لحد الكراهية العمياء للمنافس صاحبه فى نفس الوقت مرض الحب الأعمى لفريق المتعصب وهو حالة يتغلب فيها الانفعال على العقل فيعمى البصيرة حتى أن الحقائق الدامغة تعجز عن زلزلة ما يتمسك به المتعصب فرد أو جماعة مع وجود تدن فى الخطاب الإعلامى الرياضى المفضى للتعصب الذى يساهم فى تأجيج ونشر الإساءة والانحدار فى لغته المهنية الهابطة فى (بعض) الصفحات الرياضية والقنوات الفضائية المتخصصة على نحو يدعو إلى الاشمئزاز والسخرية والتحسر لما وصل إليه الواقع من انفلات إعلامى وسقوط أخلاقى وتجاوزات مهنية مناهضة وممارسات رخيصة تصل إلى حد السب والشتم والقذف والكراهية.
ويندفع بعض الإعلاميين بحثا عن الشهرة والأضواء وكسب جماهيرية ناد معين بتعصبه له والتعدى على الأندية المنافسة لفظا وقد يستخدم فى ذلك عبارات السب والشتم والقذف والدخول فى الذمم لإرضاء الجمهور وكسب عدد أكبر من المتابعين دون وجود عقوبات رادعة
والأدهى من كل هذا ما نلاحظه جميعا على صفحات التواصل الاجتماعى من وصول هذا التعصب إلى الطبقات المثقفة وأصحاب ما يطلق عليه الوظائف العليا الذين من المفترض فيهم أنهم أرقى وأعقل من الانجرار لهذا المستوى، بالفعل لقد أصبح التراشق اللفظى على صفحات التواصل يوميا للدرجة التى تستعجب منها كيف لهؤلاء أنهم يديرون هيئات ومؤسسات اقتصادية وإعلامية وأحيانا نظامية، فهل لهذه الدرجة غاب عن أذهاننا وتفكيرنا ما هو الهدف من وراء استمرار تلك الفتنة- الرياضية- ألم يخطر ببالنا أنه من الوارد أن من فشل فى تفتيت أصحاب هذا البلد لإسقاطها عن طريق السياسة قد لجأ لمثل تلك الطريقة؟ لقد نجح الشعب المصرى فى محاصرة الإخوان وإفشال مخططاتهم بتمسكهم بوحدتهم ضد إرهاب تلك الجماعة فهل نبلغهم مرادهم بتفتيت وحدتنا عن طريق كرة القدم؟
سؤال يجول فى خاطرى لكل مشجعى كرة القدم الذين أعطوها أكبر من حجمها وقيمتها كرياضة تساعد فى الترويح عن النفس، ما الفائدة التى عادت عليكم فى حال فوز فريقك ببطولة دورى أو كأس إضافية؟ هل زاد راتبك؟ هل ترقيت فى وظيفتك؟ هل اقتسمت مكافآت الفوز مع لاعبى فريقك؟ ألم يخطر ببالكم جميعا أن ما نحن فيه الآن قد يقود لكارثة خاصة أننا مقبلون على تنظيم أكبر بطولة قارية فى أفريقيا
استقيموا يرحمكم الله، فوطننا يمر بمرحلة حرجة من البناء والتنمية وجميعنا نعانى من تبعات الإصلاح الاقتصادى- الذى لا مفر منه للعبور لبر الأمان- فهل من المنطقى ما تفعلونه بأنفسكم وبوطنكم؟ أرجو أن تصل كلماتى لأسماع العقلاء منمن كل الأطراف لوقف هذا الوضع المزرى والمشين لنا جميعا كمصريين.