وائل الشهاوى يكتب … بلد الحريات
- مقالات
- 03 ديسمبر 2018
- d M Y
- 4625 مشاهدة
بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على اندلاع الثورات فى الدول العربية تحت شعارات براقة مثل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وبعد الانهيار التام لثلاث دول عربية واستمرار معاناة مصر وتونس من تبعات تلك الثورات المدعومة من القوى الغربية بزعم تصدير الحرية والديمقراطية لشعوب العالم الثالث، رأينا بأم أعيننا مظاهرات السترات الصفراء المندلعة فى فرنسا حاليا، احتجاجًا على سياسات ارتفاع أسعار الوقود، وسياسة الرئيس الفرنسى الحالى إيمانويل ماكرون، الاقتصادية، حيث تجاوز عدد المتظاهرين فى بعض المناطق ٣٠٠ ألف مواطن، وقد شاهدنا والعالم أجمع تدخلا عنيفا من قوات الأمن، وصل للسحل والضرب، واعتقال المئات، ولم نسمع صوتًا واحدًا من منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الأمريكية والغربية تطالب بضرورة ضبط النفس، وأن على النظام الفرنسى أن يستجيب لطلبات المتظاهرين، مع التلويح بمقاطعة فرنسا، والتدخل العسكرى لحماية مطالب المتظاهرين العزل!
لم نسمع صوتًا نشازًا واحدًا يهاجم نظام الرئيس الفرنسى ماكرون، وكأن آلاف المتظاهرين فى الشوارع لا وجود لهم، ولو حدث ذلك فى إحدى العواصم العربية، لكانت الدنيا انقلبت، وطالبوا برأس نظام هذه الدولة!
نعود للوراء إلى عام ٢٠١١ مع اندلاع الخراب فى ليبيا، تحت شعار ثورات الربيع العربى، والتى انطلقت فى تونس ثم انتقلت إلى مصر، وسرعان ما تسللت إلى ليبيا، وسوريا واليمن، حيث وجدنا الرئيس الفرنسى الأسبق «نيكولا ساركوزى» يقفز من مقعده حينها قفزة أرشميدس، مرددًا: وجدتها وجدتها.. وكانت ضالته التى وجدها، هو التدخل فى الشأن الليبى عسكريًا والإطاحة بالقذافى ونظامه من المشهد السياسى نهائيا!
وتسربت حينها وثائق معظمها تأكد صحتها أن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، سارع لأخذ زمام المبادرة من الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين جميعًا، لتبنى الحملة العسكرية ضد القذافى، لتعويض فشل بلاده المدوى فى أن يكون لها دور مؤثر فى ثورتى الخراب فى تونس ومصر، وللانتقام من القذافى بعد فشل صفقة السلاح معه!
الوثائق المسربة تحدثت تفصيليًا عن الآلية التى صنع عبرها الفرنسيون المجلس الانتقالى الليبى، ومن بين هذه الوثائق، وثيقة حملت عنوانًا «كيف يتكلم المال؟» جاء فيها أنه فى نهاية شهر فبراير عام ٢٠١١ بدأ ضباط من الإدارة العامة الفرنسية للأمن الخارجى سلسلة لقاءات مع مصطفى عبدالجليل والذى كان يشغل منصب وزير العدل فى نظام القذافى وانشق عنه، والجنرال عبدالفتاح يونس والذى كان يشغل منصب وزير الداخلية وأعلن أيضًا انشقاقه عن القذافى، وتم الاتفاق على تشكيل ما يسمى المجلس الانتقالى، وكيفية تأمين المال والإرشاد للمساعدة فى تشكيل المجلس، وأن فرنسا ستتبنى الاعتراف به دوليًا فور تشكيله.
وبعد الاتفاق وتوالى ضربات الناتو، وتحديدًا فى إبريل ٢٠١١ بعث المجلس الانتقالى الليبى رسالة جوهرية إلى الأمير القطرى فى ذلك الوقت «حمد بن خليفة» نشرتها حينها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية نصها: «وفيما يتعلق باتفاق النفط الموقع مع فرنسا مقابل الاعتراف بمجلسنا فى قمة لندن كممثل شرعى لليبيا فإننا فوضنا الأخ محمود جبريل بتوقيع هذه الاتفاقية بتخصيص ٣٥ فى المئة من إجمالى النفط الليبى الخام لفرنسا مقابل الدعم الكامل والمستمر لمجلسنا».
كما كشفت وثيقة عبارة عن رسالة صارخة بعث بها مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، يحذر من تورط فرنسا فى توريد أسلحة وذخائر، من بينها رشاشات «إيه كيه» للمسلحين الليبيين، وتدريب قوات المتمردين للانتفاض ضد القذافى ونظامه.
وبدأت فرنسا طمعًا فى ثروات الشعب الليبى، بشكل منظم منتصف شهر إبريل عام ٢٠١١ عندما كان سلاح الجو الفرنسى بالتعاون مع وزارة الشئون الخارجية الفرنسية يجلب الإمدادات الطبية والإنسانية إلى المدن الليبية، فى نفس الوقت كانت تقل هذه الرحلات ممثلين عن كبرى الشركات بالإضافة إلى مسئولين من المديرية العامة الفرنسية للأمن الخارجى لعقد تأسيس علاقات عمل مع قادة المجلس الانتقالى، وكانت الطائرات الأولى تقل مسئولين تنفيذيين من شركة توتال الفرنسية للنفط وشركة «فينشى» للبناء وشركات الطيران وغيرها من الشركات الكبرى فى مختلف المجالات، لعقد الصفقات والسيطرة على السوق الليبية.
وتؤكد الوثائق أن عراب ثورات الخراب العربى، اليهودى «هنرى ليفى» لعب دورًا محوريًا فى دعم فرنسا للسيطرة على ليبيا، وتمكن من تشكيل المجلس الانتقالى الليبى، ووقع معهم مذكرة تفاهم تعزز على أرض الواقع حصول الشركات الفرنسية على تقدير خاص فى كل القضايا التجارية، وتشير إحدى الوثائق إلى أن اليهودى «هنرى ليفى» أخبر المسلحين فى ليبيا بأن توقيعهم للعقود سيرفع عنهم شبهة العداء لـ«إسرائيل»، وكان رد المجلس الانتقالى حينها وحسبما جاء فى الوثائق، صادمًا وغير متوقع، عندما قالوا نصًا «نحن نركز تمامًا على قتال قوات القذافى وأولاده وقد سمحنا للبحرية الإسرائيلية فى بداية الثورة بدخول ميناء طبرق».
وفى سوريا، كانت فرنسا أحد أضلاع المثلث المدمر لدمشق، بجانب أمريكا وبريطانيا، وكان الصراع على أشده لاقتسام الغنائم، فيما بينهم، دون الوضع فى الاعتبار تدمير الأوطان وتشريد الشعوب، الأهم لفرنسا وبريطانيا وأمريكا حصد المغانم، والاستحواذ على الثروات، والضحك على الشعوب بشعارات الحرية والديمقراطية، للتدخل فى الشأن الداخلى للدول!
والسؤال: هل تجنى فرنسا وبريطانيا وأمريكا وحلفاؤهم، ثمار ما دمروه فى مصر وليبيا وسوريا واليمن؟! هل سيشعرون ويكتون بالنار التى أصلوها للدول العربية؟ الإجابة المؤكدة هى لا، فهذه الاضطرابات ستخمد اليوم أو غدًا أو بعد غد، لا يهم متى، لكنها ستخمد فى النهاية، وستتم السيطرة عليها حينما يتحقق الهدف الذى اندلعت من أجله، والمؤكد أن السبب فيها ليس هؤلاء المواطنون سواء مهاجرين أم أصليين.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها