امنيات عرجاء /// قصة قصيرة .. منى الصراف
- قصه
- 11 يناير 2017
- d M Y
- 3217 مشاهدة
كلما أبتعدتُ وتعودتُ الأنطلاق بعيداً عن الأسرة أزدات قوتي وقابليتي للمعرفة أكثر ، فالاشجار التي تواجه الرياح في أطراف الغابة أكثر قوة وصلابة من تلك التي في منتصفها ، فتتوغل جذورها في التربة عميقاً واغصانها تحمل أوراقاً أكثر ، وفروعها ستكون متشابكة واغزر ثماراً من تلك التي وسط الغابة .
فتاة في الثامنة عشرة من عمرها ، لديها جذور التمرد الفردي على كل مظاهر الزيف الأجتماعي ، وأمنيات لجعل أحلامها حقيقة جميلة ، تتحدى بها كل المعوقات التي تسرق منها هذا الجمال .
كانت لا تحب أنصاف الأمنيات بل تريد لها الكمال ، وحين يكون الأنسان بلا أمنيات سيسلك اي طريق اخر فليس في ذلك عندها فرق .
هذه الحياة عبارة عن مطبات وعثرات وأمور قد تقلب كل خططنا وأمنياتنا احياناً كثيرة رأساً على عقب وتفسد كل ما هو جميل .
كانت من عائلة محافظة لكن تلك العائلة كانت ايضاً تتمتع بقدر كبيراً من الثقافة والتنوير .
معدلها العالي في الثانوية منحها أرقى الجامعات بين قريناتها ، مع هذا لم تكن تلك الجامعة من ضمن أحلامها وحققت هذا المعدل العالي فقط لتقول للجميع انني ذكية كفاية لأكون انا فقط بعدها وليس كما انتم تريدون …
الخوض في حديث أمنيات لا تنتهي لديها
قال لها شقيقها الاكبر
– تحتاجين الى التمعن في ما تتمنينه وأن تقفي عند تلك الامنيات كثيراً ! احيانا الأمنيات لاتكون بمقاسكِ !
اجابته بحزم
– إذاً سابني لأمنياتي جسر وأسير عليه
رد عليها :
– ولكن أمنياتكِ يراها المجتمع ترتدي ثوب الشك والريبة ويعتبرها اخرون ترتدي الرذيلة !
شعرت كان الدماء تكاد تتفجر من رأسها الجميل المراهق
– لماذا تجعلون من حلمي ينزف ، انها وجهة نظر مغلوطة حول هذه المهنة التي اريد العمل بها ، لا أُحب الهندسة إفهموني ارجوكم ..
– حبيبتي بالرغم من اعتبارها مهنة مرموقة إلا ان قطاع كبير ينظر اليها كمهنة سيئة السمعة ، ساعات طويلة من العمل والعودة الى البيت بأوقات متأخرة واحيانا كثيرة المبيت خارجه .
صدقيني لن يشفع لكِ الطيران حول العالم أن تنالِ نظرة احترام من المجتمع ، ليس هي المكانة التي ستكونين عليها حين تصبحين مهندسة .
اجابته وقلبها ينزف وجعاً
– هل تعلم أنها وظيفة احلامي ما العيب فيها ، حين اكون مسؤولة عن ارواح العشرات في الطائرة ، وحين ارتدي جناح لتحط بي الرياح لكل بلاد الله ، هل تصدق انها مهنة صعبة المنال لآلاف من المتقدمين ولكن في نهاية الأمر سيكون التنافس وحده هو المقرر . اريد خوض هذا التنافس !
اجابها بتجهم
– أنكِ كما هو الطبيب الذي يشارك بعملية إجهاض وعندها ستكون مهنته بلا اخلاق .
نزلت دموعها اخذت تبكي بحرارة فدموعها سريعة النزول في أبسط الامور شفافة رقيقة القلب منظر واحد لطفل يبكي او رجل عجوز في عوز او حتى الفوز بسباق في ساحات الملاعب الرياضية من قبل رياضي أجنبي لا يمت لها بصلة تبكي معه فرحا . قالت له
– لا ادري لماذا تريد تمزيق حلمي !
صمت الأخ الاكبر شعر بالحزن الكبير لأمنيات بسيطة لاخت يحبها بقوة لها الحق في اختيارها ، كان هو الأب الروحي لها شاب مثقف وسيم يعمل طبيباً اجابها والابتسامة على شفتيه
– هل تعلمين انكِ خلال هذه السنوات القليلة من عمركِ الجميل اخترتِ مهناً كلها يشوبها السمعة السيئة من مجتمع متعفن حبيبتي بافكاره الشرقية ، ففي العام المنصرم اخترتِ مهنة التمريض وفي ايام الامتحانات الوزارية قلتِ تباً لها من سنة دراسية مقيتة سأختار فتح صالون حلاقة افضل من هذا الشقاء وبعدها قررتي الدخول الى مهنة التمثيل او الاخراج المسرحي والدخول في اكادمية الفنون الجميلة !! لا ادري لماذا هذا المحور الذي تدورين فيه وها انتِ الان حصلتِ على المعدل العالي ليمنحكِ مكانه مرموقة في المجتمع !!
ازداد بكاها حين قال لها شقيقها
– كي تعيشي الحياة عليكِ التخلص من العناد وامساك العصا من المنتصف
ردت عليه
لا احب امساك العصا من منتصفها ففي ذلك نفاق ، اما الاسود او الابيض ذلك اللون الرمادي يسقمني !
– حبيبتي انها احلام تأخذ اشكالاً مشوهة ومخيفة في بعض الأحيان بنظر الكثيرين !
ردت عليه بصوت حزين وذو شجون
– لا يهمني هولاء الكثيرين الذي يهمني هو رأيك انت ، اخبرني فقط هل انتَ منهم لأني بتُّ لا اعرفك ألم تقل لي أن الاشجار في اطراف الغابة اكثر قوة وثبات ام كان هذا ايضاً زيفاً!؟
مسك يدها واحتضنها بقوة وهو يردد ( كوني انتِ فقط ) اذهبي حبيبتي وقدمي اوراقكِ اليهم . شعرت ان في ظهرها نبت جناحان طارت بهما الى شركة الطيران التي قدمت الاعلان للتعيين .
مراحل عديدة وتصفيات بين عشرات المتقدمات ، في كل مرحلة تجتازها بنجاح كانت تشعر بالزهو والافتخار . وصلت الى اخر مقابلة من اللجنة الموقرة كانوا مجموعة من المضيفات والمضيفين القدامى كبار في السن اتخذوا لهم مكاناً حول الغرفة التي دخلت اليها ونظراتهم تحيطها اعجاباً في شكلها وازداد أعجابهم هذا حين علموا انها فضلت التضييف على الذهاب في كلية الهندسة والتي يتمناها الكثيرون .
كان السؤال الأخير الذي طرحه اكبرهم سناً هو الفاصل في قبولها ، سألها وابتسامة جميلة على شفتيه ، كان وسيماً جدا بالرغم من كبر سنه وزادته جمالاً تلك التجاعيد التي بادت واضحة في قسمات وجهه فقد زادته وقاراً. قال لها :
– تعلمين أن الطائرة ستكون بيتاً لكِ وأن ركابها هم ضيوفكِ وعليكِ إحترام الضيوف حتى لو صدرت منهم اساءة ما قولكِ ان تعرضتٍ الى هذه الاساءة او التحرش في بيتكِ !؟
اصابها نوع من الذهول والصدمة ومن هكذا سؤال نظرت اليه بتعجب والى اللجنة بتمعن شديد وهو ينتظرون منها اجابة على سؤالهم ، كانت علامات الازعاج واضحة عليها لكنها سرعان ما تمالكت نفسها وردت عليه :
– سيدي علينا الاتفاق اولاً أن الطائرة ليست بيتي !
أجابها -وكيف ذلك وانتِ تعملين فيها مضيفة
ردت عليه :
– لسبب واحد جدا بسيط في بيتي لا يدخل الناس الغير محترمون لذلك لم أتعرض الى الاساءة يوما او التحرش ..
قال لها – لكِ الحق في هذا
ردت عليه اذن الطائرة ليست بيتي
أجابها نعم
– وبهذا سيدي أن فكر احدهم بالتجاوز علي والاساءة او التحرش ساردها بعشرة حتى لو كان رئيس البلاد
ضحك الرجل من بلاد لا تمتلك في يوم احترام الانسان او القانون وأجابها باستهزاء
– سيرمونكِ من الطائرة جثة هامدة عزيزتي او ستغيبين خلف الشمس !
ردت عليه – اذن هي امنية عرجاء وانا لا أحب السير بأمنيات عرجاء وليست بمقاسي ، سأبحث عن أمنية اخرى وأرتدي لها قدماً .
منى الصراف / العراق
اعلام دار العرب للثقافة والاعلام