لم يرحل من روحي بعد … قصة قصيرة بقلم … هدى الشريف
- أدب
- 27 يناير 2017
- d M Y
- 2648 مشاهدة
و -احتاجتها رعشة فرطت روحها الملقاة امامها ..سقط الهاتف من يدها .. نظرتها تتجمد تخترق جدران الصمت وتحشرجت الكلمة رافضه أن تخرج بعد أن التفت حولها احبالها الصوتية مخنوقة بحروف انهت مهمتها لتحمل روحها المبعثرة الي مثواها الأخير
..م ا ت … مات جائتها عبر الهاتف الذي ارتطم بروحها الملقاة علي حائط الزمن.. جرجرت قدميها وجلست خائرة القوي مهزومة ..لم تدري ان خريف آتي علي غير موعد ليخطف منها جسدا سكن روحها ولم ينصهرا ويتوحدا كما كانت تتمني .
وكأن الأيام تواسيها في ابتسامات الصبا .. ونيران فراق حب العمر.. قطار يمر عبر شريط منهك القوي وذاكرة خائرة نالت الايام منها فأخبئتها في اوردتها.. دفقات تمر كوميض يئن.. تغمض عينيها تستحي دمعة ان تفر علي خد حمل كف لامسها من سنوات طويلة.
كانت ابنة ثمانية عشر ربيعا.. تحمل لهفة و شوق الي بلدة أمها.. لتراه.. لم تفكر لحظة في فارق العمر بينهما.. كانت عينيه تغزوها.. تنفذ الي مسام جسدها الربيعي اليافع ليتحول الي لمسات سحرية كما يلامس الندي خدود الورد.. شفرات تتحول لكلمات ليست بالكلمات.. – تحتضن شرفة غرفتها لتراه وهو ذاهب الي العمل تفوح منه رائحة الندي تستيقظ علي ايقاع خطواتة علي الأسلفت وهويقبل قدميه وتتمني لو توقف كما تتوقف دقات قلبها ثم تنبض متلاحقة حين يتوقف أمام شباكها ليلقي عليها ابتسامة تحتضن عيونها المبتسمة.. ترتبك حين يداعب بأصابعة المرمرية أنفها في لمحة ودت لو تجمد الزمن لتقبل أصبعه . – أشرف -هو انت هترجع الساعة كام.. ودت لو قال انه لن يذهب وسيخطفها الي السماوات.. طيب ينفع اجيلك… طيب ممكن تاخدني معاك ..ثم تدرك انه ينظر اليها باسما وكأن وجهه يقبل كلماتها.. وببراءة وإستحياء تصمت….. ثم تبتسم – كان يعلم انها تحبه منذ ان كانت طفلة وكانت تعلم انه يعشقها دون أن يبوح احدهم للأخر لقد باحت الإبتسامات وتعاهدت العيون علي لقاء كل اجازة صيفية هي كل فرحتها.. كانت تقضيها كاملة في رحاب البلدة التي تستنشق انفاسة وكأن الحب ولد معهما.. – كان معلمها الاول ..أول من ضغط علي يديها وهي تخط حرفها الاول من إسمه ..أ ..
ثم تشابكت الحروف وتعانقت ليكتمل إسمه أ..ِش ..ر..ف ولتكمل هي حفظ الأبجدية
مظبوط … هي قهوته التي علمها كيف تصنعها حتي أدمنت صنع القهوة وغاصت في خطوطها باحثة عنه حين تكون في بلدتها بعيدة عنه.. اهداها كراستها الاولي وفيها روحه.. حتي انصهرت بها فصارت ملاذها . أشرف .. هتعلمنى الكلمات المتقاطعة أمتى …
يرد بإبتسامة وصوت اعذب من ماء النهر يتدفق ليغمرها ضوءه.… هامسا .. يقول ..
طيب ااقري الكتاب ده الأول وقوليلي فهمتي ايه.. ولما ارجع من الشغل نتفاهم -كانت تدخل غرفتها لتراقص الكتاب.. ثم تقبل صفحاته حرفا حرفا وتعانق سطورة الي ان تلتهب الجمل شوقا من شوقها.. ثم تعود لإحتضان شرفتها تخترق عيونها الحائرة جدران المنازل.. الي ان تطل رائحته.. مع إطلالات قلبها الذي تتخبط ضرباته المتلاحقة رافضة أن تسجن في زنازين ضلوعها المتشوقة الي عودته -يقترب
تسبقها تنهيدة لا تستطيع ايقاف الكلمات علي شفاهها المتقده انت جيت اخيرا.. كنت قربت ازهق من القراية.. كنت مستنيه ترجع ونكمل كل الكلام…
طيب قبل اي كلام ممكن اسألك سؤال وتجاوبيني..
بتحبيني
تعاتبه عينيها المندهشة من سؤاله
-تتجوزيني
تجري من امامه.. تدخل غرفتها.. تراقص الجدران.. تنظر في مرآتها…. لا تكاد تصدق الا بعد ان تفرك خدها كي تتأكد أنها مستيقظة
تدخل اختها
-مالك في ايه مش علي بعضك – تردد والفرحة المتدفقة عبر اوردتها تؤكد انها مستيقظة
أشرف …أشرف عايز يتجوزني … ترد أختها طيب ايه الجديد.. ده متوقع من بدري
… مبروك …
كأن المرآة تراقصها.. تجري علي امها لترتمي في احضانها وتخبرها ودت لو تعلن للعالم هذا الخبر الذي تمنته طويلا وانتظرته منذ طفولتها تمر الأيام ..تجري متلاحقة .. حتي اللقاء تنظر الي اشرف الذي احتل الحزن وجهه
مالك !!
ينظر اليها ووشفتاه تنزف حيرة ثقيلة الكلمات تخرج كجبال مهزومه .. -انتي عارفه اني مقدرش اعيش من غيرك ..صمت يلفه الغموض والدهشة وكأنه صوت ابيه الغاضب الرافض بقسوة عشق سنين… ياله من قاسي ذلك الاب الذي بني حوائط حقد ليغتال إنشودة زواج انتظروه ليتوج عشق سنين والذي وضع اوتاد ومتاريس بينه وبين عائلتها أثر خلاف لم يداويه الزمن …. – لو أخر بنت في الدنيا علي جثتي هكذا تمتم أشرف مذبوحا بكلمات أبيه لتتناثر بقسوة علي وجهها وتخترق جدار روحها.. عقارب الساعة تتصارع بصوت يقضم الصمت المنبعث من جدران غرفتها.. كابوس يجتاحها في يقظتها.. حواسها تتسأل بإستحياء ..طيب .. ليه ؟؟ أنا !!
-يضمها أشرف بين كتفيه.. يقبلها.. يمضي تعلن خطواته انسحابه.. لم يلتفت حتي لاتري دموعه.. لكنها نزفت لوعة عبر الأحرف وهو يردد -ماتخافيش ..
هفضل احبك لأخر يوم في عمري بس مش هقدر أغضبه..هو أبويا يمضي قطار عمرهما مثقلا بالوحشة والغربة علي شريط ذكريات انهكه الحزنوكاد ان يصيبه الضمورمن وجع الحنين وتمر معه السنوات المذبوحه شوقا. بينهما
يلتقيا دائما عبر صدفة ربما تحاول ان تصنعها هي
تلتقي العيون ………
اشرف ..انا جالي عريس.. هتسبني اتجوز غيرك يطمئنها انها في جوارحه تعيش تلثم يداه يديها المرتعشتين حنينا نال منه الخوف يتقدم أشرف لأبيها .مرة اخري .لكن ابيها يرفض يأبي أن يتمم زواجا الا بموافقة ابيه يقف اشرف محاولا المغادرة . يقسم انه لاحياة له بدونها.. عند الباب الذي شهد لقائهم نزفت عيونهم االوداع الاخير
-أشرف هتسيبني لوحدي … مستحيل أعيش من غير
مضي في صمت لايقطعه سوي ضربات نبض مختنق مهزوم مغادرا الي بلدته . يمر امام بيت جدتها لا ينظر امامه اثر حزن بداخله يبعثره . يهبط من عمود نور هوائ ( سلك )) متدليا يصعقة
وكان روحه ابت أن تفارق بيت جدتها التي كانت تسكنه ذكرياتهم آبت ان يحيا بدونها أثناء وقوفه منتظرا عودتها في الصيف القادم لتحتضن روحه وتكن معراجه الي السماء .ومثواه الاخير